تعریف الثورة الصناعیة
یقصد بالثورة الصناعیة التطورات الكبیرة التي عرفتھا الصناعة في اروبا عامة و انجلترا خاصة ابتداءا من منتصف القرن
الثامن عشر و التي أدت إلى حدوث تحول كیفي في فنون الإنتاج الصناعي . حیث تم الانتقال من الصناعة الیدویة التي تعتمد
على عمل الإنسان – أدوات عمل بسیطة – إلى الصناعة الآلیة التي تعتمد على الآلة التي تدفعھا قوة محركة. حیث عرفت
اروبا في ھده المرحلة موجة عارمة من الاختراعات و الاكتشافات ساھم إدخالھا في مختلف فروع الصناعة إلى تطویرھا –
صناعة الحدید و تعدین الفحم . و صناعة المنسوجات . و تولید الطاقة المحركة – الشئ الذي ساھم في حدوث زیادة ھائلة في
كل من الإنتاج و التكوین الرأسمالي و أصبحت الصناعة على إثرھا النشاط الرئیسي في الاقتصاد الوطني.
1- أسباب قیام الثورة الصناعیة في اروبا:
یمكن أن نجمل الأسباب الأساسیة لقیام الثورة الصناعیة في اروبا فیما یلي:
ا - العامل السكاني:
عرف سكان اروبا مند أواخر القرن الثامن عشر زیادة كبیرة و مستمرة و دلك لانخفاض معدلات الوفیات ( توفر الرعایة
الصحیة خاصة في المدن) . فزیادة عدد السكان تؤدي إلى توفر الأیدي العاملة . و خاصة في ظل تمتع العمال بحریة اختیار
الأعمال و الانتقال من عمل إلى آخر .فلا شك أن دلك یساعد على نھضة و تقدم الصناعة.
و عموما یمكن القول أن زیادة عدد السكان یؤدي إلى زیادة عرض العمل و بدلك تجد المشروعات الجدیدة و القدیمة حاجتھا
من الأیدي العاملة بأجور معقولة . كذلك فان زیادة عدد السكان تمثل زیادة في الطلب على السلع و الخدمات و ھو ما یعمل
على اتساع نطاق السوق و بدلك تنمو الصناعة و لا یعوقھا التخلص من فائض الإنتاج.
ب - اتساع تجارة اروبا الداخلیة و الخارجیة ( اتساع الأسواق الداخلیة و الخارجیة
عند التطرق إلى الدور الذي لعبتھ تجارة اروبا الداخلیة و الخارجیة في التطور الصناعي في اروبا, یجب الوقوف على
اھمیةالدور الذي تلعبھ وسائل النقل و المواصلات و دلك على اعتبار أن تطورھا یساھم في ازدھار التجارة الداخلیة و
الخارجیة, و تجدر الإشارة ھنا إلى الطفرة النوعیة و التقدم الحاصل على مستوى وسائل النقل و المواصلات سواء كانت مائیة
أو بریة,حیث تمكنت الدول الاروبیة من ربط أجزائھا المختلفة بوسائل نقل اقتصادیة – قطارات و سفن و كان النقل النھري
یلعب دور كبیر في ربط مختلف أجزاء اروبا, - و كدا الوصول إلى الأسواق الخارجیة بعد ظھور الناقلات الحدیثة و خاصة
السفن التجاریة الضخمة و ھو ما ساھم في اتساع الأسواق الداخلیة و الخارجیة.
فقد تطورت تجارة اروبا الداخلیة و الخارجیة حتى شملت العالم القدیم و الجدید – و دلك بعد اكتشاف العالم الجدید و الطریق
المؤدي إلى الشرق عبر رأس الرجاء الصالح – و ھو ما ساھم في نمو الصناعة في القرنین 18 و 19 , اد تمكنت اروبا من
الوصول بمنتجاتھا إلى أسواق الدول المختلفة, فكلما كانت السوق قادرة على امتصاص قدر كبیر من المنتجات كلما مال حجم
المشروعات إلى الكبر,حیث ساھم اتساع نطاق السوق نتیجة للطلب الكبیر على السلع في جعل الإنتاج نمطي و أمكن بالتالي
إدخال الآلات تدریجیا في العملیات الإنتاجیة لمواجھة الطلب المتزاید- خاصة ادا علمنا أن انخفاض أثمان السلع الصناعیة
نتیجة للإنتاج الكبیر و انخفاض تكالیف الشحن أدى إلى توسع كبیر في الطلب على السلع الصناعیة و ربما بنسبة تفوق بسبة
الانخفاض في الأثمان حیث أن الطلب على تلك السلع كان كبیر المرونة . كما أن الزیادة في الدخول التي نجمت عن التوسع
في الإنتاج في كافة دول العالم الصناعیة أو الزراعیة أدت إلى التوسع في الطلب على المنتجات الصناعیة حیث أن الطلب
على ھده الأخیرة كان یتمتع بمرونة دخلبة كبیرة -. و بدلك یكون اتساع السوق قد ساعد على التصنیع و التوسع الإنتاج.
ج- وفرة رؤوس الأموال و إمكانیات التراكم الرأسمالي:
كان من أھم النتائج التي ترتبت على اتساع تجارة اروبا الداخلیة و الخارجیة أن ازدادت أرباح و ثروات أصحاب المصانع و
شركات النقل و التجار و الوسطاء ,و بدلك تجمع لدى اروبا مبالغ طائلة و أموال كبیرة لمقابلة ما تحتاج إلیھ الصناعة من
أموال ,حیث توفرت رؤوس الأموال اللازمة للاستثمار في إنتاج سلع استھلاكیة,وكدا إنتاج العدد و الآلات ( السلع الإنتاجیة أو
الرأسمالیة ,( بالإضافة إلى رؤوس الأموال اللازمة
لتمویل عملیات البحث و التطویر, ھدا و قدكانت ندرة رأس المال لدى معظم الدول الاروبیة العائق الأساسي أمام قیام
الصناعة, و تجدر الإشارة إلى أن الصناعة في اروبا نمت نموا كبیرا عندما تمكنت الصناعة القائمة من تحقیق أرباح وفیرة
أعید استثمارھا في إقامة صناعات جدیدة ,حیث كانت أرباح المنشات تمثل المصدر الرئیسي لمواجھة حاجات الصناعة
الناشئة.
و من الأمور الأخرى التي ساھمت في تمویل الصناعة قیام و ظھور شركات المساھمة التي استطاعت أن تجمع المدخرات
من صغار و كبار المدخرین على حد سواء,كما أن نشأت البنوك و قیامھا بوظیفتھا التقلیدیة المتمثلة في الحصول على الودائع
من الأفراد و الھیات و إعادة إقراضھا لتمویل الاقتصاد ساھم مساھمة فعالة في ازدھار الصناعة في اروبا.
د - الحریة الاقتصادیة و عدم التدخل الحكومي.
ه - تطور علمي و كشافات علمیة- اكتشاف آلات إنتاج متطورة - وضعت موضع التطبیق في الصناعة فادت إلى ازدھارھا.
2أھم مظاھر الثورة الصناعیة: -
كان من أھم مظاھر الثورة الصناعیة مایلي:
ا- ظھور نظام المصانع الآلیة و كبر حجم المشروعات:
بقیام المخترعات العلمیة العظیمة في القرن 18 و استخدام الآلة – التي تحركھا طاقة - التي كانت على درجة عالیة من القوة
الإنتاجیة,ظھر و ازدھر نظام المصانع الآلیة. فقد تمكن أصحاب المصانع و كبار الحرفیین من إقامة الصناعة الجدیدة و
أصبحوا یمثلون طبقة الرأسمالیین,أما صغار أصحاب الحرف فاضطروا إلى العمل في المصانع كعمال مأجورین ,و تحولت
وحدات الإنتاج في اروبا إلى المصنع الكبیر, حیث كان كبر حجم الوحدات الإنتاجیة - المصانع – من أھم مظاھر الثورة
الصناعیة. فبعد أن كان المشروع یستخدم عددا محدودا من العمال. أصبح یوظف المئات, و بمرور الوقت أصبح ألاف العمال
یعملون في المصنع الواحد ,حیث تشیر تقدیرات عام 1830 أن عدد العمال في مصانع القطن كان یقدر بحوالي 175 عاملا,و
93 عاملا في مصانع الحریر و 45 عاملا في مصانع الصوف ,أما مصانع الحدید فكان یتراوح عدد العمال بھا في حدود
2000 عاملا. -1500
و على المستوى القطري فان السمة الغالبة على الصناعة الألمانیة مثلا ھي كبر حجم المشروعات فقد قام التوسع الصناعي
في krupp فیھا نتیجة لامتصاص المصانع الكبیرة فیھا للمصانع الصغیرة – الاندماج و التكامل و من الأمثلة على دلك شركة
حوض الروھر, - أما الصناعة في فرنسا فكانت وحداتھا تمیل نسبیا إلى الصغر. لدلك كان عدد العمال فیھا محدودا ,و لعل
أھم الأسباب الواقفة وراء دلك ھو الندرة النسبیة للفحم الحجري و تفضیل الفرنسیین التخصص في إنتاج السلع الكمالیة التي
تحتاج إلى مھارات و فنون إنتاج عالیة.
أن تحول الصناعة إلى الصورة الجدیدة أدى إلى وجود طبقة اجتماعیة جدیدة ھي طبقة المدیرین و دلك بعد أن تعقدت مشكلة
إدارة المصانع الكبیرة مما دفع بالمالكین و المساھمین بان یعھدوا إلى أصحاب الخبرة بإدارة مشروعاتھم.
ب - ظھور النزعات الاحتكاریة في الصناعة:
لقد أدى تطور وسائل النقل و المواصلات إلى جعل العالم سوقا واحدة یتنافس فیھا الكثیر من المنتجین من مختلف دول
العالم, وقد أدى التنافس بینھم إلى تسابقھم نحو تخفیض الأسعار و ھو ما أدى بدوره إلى تخفیض الأرباح بل و تحقیق خسائر
في الكثیر من الحالات, و ھو ما دفعھم إلى التكتل و الاتحاد و عقد الاتفاقیات المختلفة و الدخول في أشكال الترست و الكارتل
بقصد القضاء على المنافسة و التحكم في الأسعار و دلك لضمان تحقیق المستوى المنشود من الأرباح ,و الواقع أن التكتلات
الاحتكاریة انتشرت بشكل كبیرخاصة في الربع الأخیر من القرن التاسع عشر في مختلف نواحي الحیاة الاقتصادیة و بصورة
كبیرة خاصة في كل من ألمانیا و الولایات المتحدة الأمریكیة.
ففي ألمانیا
قامت و ازدھرت نقابات إنتاجیة تعرف باسم الكارتل, كان غرضھا منع المنافسة بین المنتجین عن طریق عقد اتفاقات خاصة
بتوزیع الأسواق و الأسعار و تنظیم الإنتاج – تحافظ الشركات الداخلة في الكارتل على شخصیتھا القانونیة و استقلالھا المالي
و الإداري – حیث تقید حریة و سلطات الشركات بعد انضوائھا تحث رایة ھدا التنظیم الاحتكاري وتوقیعھا اتفاقیات, و قد
انتشر ت ھده الاحتكارات بشكل كبیر في صناعة التعدین و الحدید والصناعات الكھربائیة و البنوك و أدت ھده السیاسة إلى
كبر بعض المشروعات لدرجة تقترب من الاحتكار الكامل.
أما في الولایات المتحدة الأمریكیة
فقد ظھرت الاحتكارات في شكل تراست و ھو تنظیم عكسي لنظام الكارتل, حیث تفقد المشروعات الداخلة فیھ شخصیتھا
الاعتباریة و استقلالھا المالي و الإداري بحیث تندمج الشركات المتعاقدة و تصبح مشروعا واحدا و تحت إدارة موحدة تقوم
برسم سیاسات الإنتاج و التسعیر, .......و قد سارعت الولایات المتحدة انطلاقا من مبدأ رفض الاحتكار إلى إصدار قوانین
- . لمحاربة التراست - قانون شومان 1890 و قانون كلایتون 1914
3- نتائج الثورة الصناعیة:
كان للثورة الصناعیة العدید من الآثار و الانعكاسات المباشرة و الغیر المباشرة على النواحي الاقتصادیة و الاجتماعیة و
السیاسیة تقوم بحصرھا فیما یلي:
ا: زیادة الثروة القومیة لدول اروبا و زیادة قوتھا الحربیة:
زادت ثروات بلدان اروبا نتیجة للثورة الصناعیة و أصبحت الدولة غنیة بمصانعھا و مناجمھا متمتعة بمقدرة إنتاجیة
عالیة, حیث لم یقتصر الإثراء على أصحاب رؤوس الأموال فقط . بل حققت الدولة زیادة كبیرة في إیراداتھا من الضرائب
المباشرة و غیر المباشرة .
و نظرا لما حققتھ ھده الدول من أرباح وفیرة و خاصة انجلترا و فرنسا فإنھا وظفت قدرا كبیرا من ھده الأموال في زیادة
قوتھا العسكریة و الحصول على مستعمرات واسعة عادت على اقتصادیاتھا بمكاسب عدیدة.
ب- ارتفاع مستویات المعیشة:
بالرغم من أن الثورة الصناعیة زادت من أھمیة الآلات و نفود أرباب العمل و كان العامل في الغالب تحت رحمة أصحاب
المصانع, إلا أنھا مھدت لتجمع العمال و توحدھم, حیث أصبحوا قادرین على الحصول على أجور و شروط عمل أحسن ما
كانوا لیحصلوا علیھا لو كانوا متفرقین, و على العموم یمكن القول أن الثورة الصناعیة حققت زیادة ملموسة في مستویات
المعیشة الحقیقیة و دلك عن طریق زیادة الإنتاج الزراعي و الصناعي الذي اغرق الأسواق و نجم عنھ انخفاض في الأسعار و
بالتالي زیادة المقدرة الشرائیة الحقیقیة للنقود.
ج -شدة الخلاف بین العمال و أصحاب الأعمال:
في الغالب ینشا الخلاف بین العمال و أصحاب الإعمال من كون العمال الدین تجمعوا حول المصنع و بداو یناقشون أوضاعھم
یطالبون بزیادة الأجور و تحسین شروط العمل و من الناحیة الأخرى یحاول أصحاب الأعمال الضغط على العمال حتى تزید
أرباحھم و تنمو استثماراتھم, لدلك رأى العمال ضرورة التكتل في النقابات و الاتحادات العمالیة التي تدافع عن مصالحھم.
حیث تتعدى مطالبة النقابة أرباب العمل برفع الأجور و تحسین أوضاعھم إلى مطالبة الدولة و إقناعھا بسن التشریعات التي
تنظم علاقاتھم بأرباب العمل كما تسعى في الغالب النقابات العمالیة لدى السلطات من اجل حمایة الصناعة أو إعانتھا أو
رعایتھا بأي صورة, لكي تنشط الصناعة و تصبح قادرة على مقابلة مطالب العمال و ھده الفكرة الحدیثة أمنت بھا بعض
النقابات و مؤداھا أن تحسن مستواھم المعیشي لا یتأتى إلا ادا تقدمت الصناعة
.د- تركز السكان في المدن:
زاد عدد سكان دول اروبا الصناعیة بصورة واضحة خلال القرن 19 , كما أن نسبة كبیرة من السكان تركزت في المدن فلقد
1801 ( على التوالي من 10.5 إلى 27 ملیون و من 20 إلى 56 ملیون و من - زاد سكان انجلترا و ألمانیا و بلجیكا ) 1901
3.5 إلى 6.5 ملیون, كذلك فان سكان المدن في نھایة القرن التاسع عشر كانوا یشكلون ثلثي سكان ألمانیا و ثلاثة أرباع سكان
انجلترا و نصف سكان فرنسا.
ه- نمو التجارة الخارجیة:
و تعتبر سبب و مظھرو نتیجة للثورة الصناعیة, فقد ازدھرت تجارة اروبا الخارجیة نتیجة لازدھار صناعتھا, و حدث أن
أصبحت السمة الغالبة علیھا أنھا تصدر مواد و منتجات صناعیة و تستورد مواد أولیة لازمة لصناعتھا.
و- زیادة نفود طبقة رجال الإعمال و عظم الدور الذي یلعبھ رأس المال.
4تطور الزراعة الاروبیة: -
أن قیام ثورة صناعیة في اروبا أدى إلى حدوث تطور كبیر على مستوى وسائل و نظم الزراعة الاروبیة استحق أن یطلق
علیھ بالثورة الزراعیة ,حیث حدث تطور كبیر في الزراعة الاروبیة في القرن التاسع عشر ,و دلك نتیجة لإتباع الوسائل
العلمیة و تطبیق النظم الجدیدة التي تجمعت عن الثورة الصناعیة, حیث أدى اكتشاف الأسمدة الكیمائیة و تطویر نظم صرف
حدیثة و إدخال الآلة إلى العمل الزراعي إلى تقدم و ازدھار الزراعة.
ففي انجلترا