مهام المحامي
إذا كان الناس من حيث المبدأ يولدون سواسية متساوين في الحقوق، وقرروا العيش في مجتمع منظم، فإن ظروف الحياة تخلق اختلالات بل وفوارق. والمهمة الأولى للمحامي تكمن في الدفاع عن من كانت حقوقه مهددة.
من ناحية أخرى، لكل شخص متابع أمام محاكم زجرية الحق في الدفاع عن نفسه كما أن عليه واجب الاستعانة بالمحامي. وعندما يقرر المجتمع متابعة أحد الأشخاص من أجل جناية أو جنحة، فثمة مبدأ متعارف عليه عالميا وهو أن كل شخص بريء إلى أن تثبت إدانته. وكل شخص له حق طبيعي في الاستعانة والدفاع عن نفسه بواسطة تقني مستقل، ونعني بذلك المحامي. وينطبق الشئ نفسه على الطرف المدني، ضحية الفعل الموصوف بالجرم.
هذه هي الفكرة الضيقة التي تروج عند عامة الناس حول دور المحامي : فهو يدافع ويرافع أمام المحاكم الزجرية أو هو " المحامي المتخصص في الجنايات " . وذلك ليس إلا الجانب " الاستعراضي من المهنة". لكن الحقيقة في أيامنا هذه مخالفة تماما ومجال تدخل المحامي أوسع من ذلك. إذا " ليس ثمة حدث سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو أدبي أو علمي أو حتى ديني لا يكون له حكم وصدى في قاعات المحاكم ". (أندري جينيس " الحقيقة وحدها تجرح").
علاوة على ذلك، تخضع حاليا الأنشطة الاقتصادية كيفما كانت طبيعتها لنصوص متعددة ومتشعبة في الغالب وقليل من يعرفها - وهذا طبيعي - لدى المقاولين بشكل عام.
من جهة أخرى، إن تحرير المبادرة المقاولاتية يولد، بالإضافة إلى المنافسة الشرسة التي لاتخضع في بعض الحالات إلى القواعد الأخلاقية، صعوبات في العلاقات قد تكون لها آثار وخيمة على ديمومة كل مقاولة.
وثمة أيضا التطورات في التشريع الاجتماعي والضريبي والبنكي والمالي وغيرها والقرارات التي يثمرها الاجتهاد القضائي في كل مادة وغيرها من الوقائع القانونية التي تؤدي إلى تأويلات متضاربة قد تضر في بعض الحالات بالتنمية المنسجمة للنشاط المعني.
وأسوأ من ذلك، نجد مشاكل الاختصاص (الاختصاص الترابي أو النوعي) ومشاكل تقادم الحقوق أو آجال الطعن (التي تتغير حسب نوع كل قضية) والتي ينتج عن إهمالها فقدان المتقاضين حقوق مؤكدة.
ومن خلال هذه الأمثلة، يمكن أن نستشف مدى تعقد ما يصفه البعض " بالأدغال القانونية " .
من الأكيد أن كل الأشخاص وكل المقاولات قد لاتجد بالضرورة نفسها وسط هذه "الأدغال ". بل يظهر أن ممارسة الحقوق من لدن أغلب الناس والمقاولات لا تشوبها نزاعات وبالتالي ليست ثمة حاجة إلى إقامة دعاوى. ففي معظم الأحوال، تقام العلاقات وتنفصم بالتراضي. غير أن الطابع الاقتصادي للمادة القانونية والذي لامفر منه (كل قرار اقتصادي واجتماعي له جانب قانوني) لا يضمن لأي شخص بأن يكون في منأى عن أي نزاع قد يكون مصدرا لإضاعة الوقت وهدر الطاقات.
ولمواجهة مثل هذه الاحتمالات، سعت طرائق التدبير الحديثة إلى الاستعانة بمستشار مختص : أي المحامي. فبعد أن كان المحامي يعتبر لزمن طويل من لدن المقاولات كشر لابد منه (يجب ألا يستشار إلا قليلا قدر الإمكان) بدل اعتباره بشير خير، أصبح المحامي - المستشار في أيامنا هذه المساعد الذي لا مندوحة عنه بالنسبة إلى أغلبية المقاولات في البلدان المتقدمة. وقد فهمت كل من الولايات المتحدة واليابان وبلدان الاتحاد الأروبي ضرورة إدماج مهنة المحاماة في استراتيجياتها الاقتصادية و التجارية.
حقا، بالنظر إلى التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية التي يواجهها يوميا كل شخص طبيعي أو معنوي، وإلى التحديات الشخصية أو المهنية التي قد يرفعها هذا الشخص، يظهر المحامي عمليا كالشريك القانوني الوحيد الصالح الذي قد يمنح الضمانات الضرورية من حيث السرية والكفاءة والاستقلالية والمسؤولية.
ولم يعد المحامي من الكماليات بل أصبح ضروريا. فهو الأداة القانونية التي لاغنى عنها في الوقت الراهن بالنسبة إلى مقاولة ذات هياكل منظمة. وإذا كان القانون اليوم يدخل شيئا فشيئا في قلب استراتيجية المقاولة، فالمحامي هو محرك هذا القانون.
وكل يوم يمر إلا ويأتي معه، بالنسبة إلى الخواص و المقاولات، بنصيبه من النصوص التشريعية أو التنظيمية والدوريات الإدارية أو القرارات الاجتهادية. وباستثناء المختصين في القانون، تصعب عادة على عامة الناس قراءة وتأويل هذه النصوص وهذه الاجتهادات.
ويتمثل دور المحامي في إخبار زبونه عن القوانين المطبقة على كل حالة وقد يكون الوحيد الذي باستطاعته الإبحار في هذا البحر من النصوص التي تعود إلى سنة 1912. ونظرا إلى أن المحامي يتابع يوميا تطورات النصوص (صدورها وتغييرها ونسخها...إلخ) والاجتهاد القضائي (بما يعرفه من تحولات)، فهو القادر على إخبار المقاولة عن القانون المطبق وعن اتجاه الاجتهاد القضائي. ويخبر المحامي زبناءه ليس فقط عن حقوقهم ولكن أيضا عن واجباتهم.
وإلى جانب المعلومات التي قد يزود بها المقاولة أو الخواص، يضطلع المحامي بدور ثان يتمثل في الاستشارة. وهو يلعب في هذه الحالة دور المحامي - المستشار. ولهذا الغرض، يقوم بدراسة كيفية إنجاز مشروع ما في إطار الاحترام التام للقانون بجميع أصنافه (قانون الاعمال والقانون الضريبي وقانون النقل والتعمير والبيئة والأبناك والشغل إلخ). ومن جهة آخرى، يتمثل دور المحامي - المستشار، قبل كل شيء، في تفادي المساطر بالتدخل على سبيل الوقاية. وقد تكون الاستشارة شفوية أو مكتوبة. ويرتبط دور المستشار القانوني والضريبي هذا بالتحديات الاقتصادية وبمعرفة مخاطر النزاعات. ولممارسة دور المستشار بمهارة، لاتغني كل ديبلومات العالم عن " الحاسة القانونية " إذا كانت مفقودة لدى المحامي. وإذا كان لكل شخص عادة خمس حواس، فالمحامي من جهته لابد أن يتوفر على حاسة سادسة. إنها " الحاسة السادسة القانونية " .
وقد يقوم كذلك بمساعدة المقاولة في إبرام اتفاق ما ومحاولة إيجاد حل متفاوض عليه أمام احتمال وقوع نزاع، متفاديا بالتالي غرق المؤسسة في النزاع وما ينتج عن ذلك من دعوى وهدر للوقت والمال.
وعلاوة على دور الإخبار والاستشارة والمساعدة، يقوم المحامي بتحرير جميع الوثائق وجميع العقود وفقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل وحسب مصالح زبونه. والوثائق التي يمكن أن يحررها المحامي متعددة : الأنظمة الأساسية للشركات والجمعيات وعقود الايجار التجاري والمهني والقروي... وعقود الشغل والبيع وتقديم الخدمات والسلفات، وعقود الترخيص وتفويت الأصول التجارية والتدبير الحر والرهن وبيع الأسهم أو حصص الشركة إلخ. والمحامي النبيه، عندما يقوم بتحرير العقد بنفسه أو أي وثيقة آخرى، لايضع في حسبانه فقط مصلحة الزبناء ولكن أيضا وسائل الدفاع التي قد يعتد بها طرف ما تجاه الآخر في حالة وقوع نزاع. وعلى العموم، يكون العقد أو الوثيقة التي يحررها المحامي المتخصص دقيقا وواضحا ويتطرق إلى جميع النقط التي يحتمل أن تثير اللبس أو حتى النزاع. بل يجب على الموثق نفسه أن يستشير المحامي قبل تحرير بعض أنواع العقود.
ويمكن كذلك للمحامي أن ينوب على طرف ما في إبرام أحد العقود ولكن بموجب توكيل خاص.
وإذا كان الدور السادس للمحامي هو الدفاع عن الزبون، سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، أمام محاكم المملكة، المدنية منها أو التجارية أو الادارية أو الجنائية أو التأديبية إلخ، وإذا كان بمقدوره أيضا القيام بذلك الدفاع أمام محاكم البلدان الأجنبية التي أبرمت اتفاقية قضائية مع المغرب، فثمة دور هام ملقى على عاتق